بين التعليم عن بعد والتعليم التقليدي
منذ 3 سنوات بقلم مينة
blog

مع انتشار كورونا والإجراءات الاحترازية التي قامت بها كل دول العالم، كان من أبرز تدابير احتواء خطر فيروس كورونا، إغلاق جميع المدارس، ونقل جميع دروس الفصول الدراسية عبر الإنترنت، في تجربة خاصة جدا، عن التعليم عن بعد، والذي جاء بسرعة ودون استعداد مسبق، بالنظر للسرعة التي انتشر بها فيروس كورونا في العالم وكذا منطقة الشرق الأاوسط.
التعليم عن بعد المصطلح الذي ألفنا سماعه سنة 2020، ومعه طرحت العديد من الأسئلة حول الموضوع، إيجابياته وسلبياته والمقارنة بالتعليم التقليدي والكلاسيكي أي التعليم الحضوري.


بين التعليم عن بعد والتعليم التقليدي: الفروقات كثيرة
ففي إطار التعليم التقليدي الكلاسيكي، المتعارف عليه في منطقتنا الشرق الأوسط، يتعلم الطالب بشكل طبيعي من زملاؤه وأساتذته، في إطار عملية التعلم الجماعي. وفي المقابل، التعلم عبر الإنترنت أي عن بعد يتيح للمعلمين إبداء ملاحظات دقيقة وواضحة حول كيفية تفاعل الطالب مع المادة، وذلك بنقرة زر، بحيث يمكنهم رؤية واجبات الطالب المنزلية بشكل أكثر وضوحا وتحديد مكمن الخلل أي أين يواجه الطالب صعوبة.
التعليم عن بعد، أبرز وبشكل جلي عيوب وقيود كان يفرضها التعليم التقليدي، أبرزها :

- قيود المكان والزمان والتي غالبا هي غير مناسبة بالنسبة للكثير من الطلبة الجامعيين، وحتى لا ننسى أن الجامعات غالبا تقع في أماكن معزولة بعيدة عن مقرات سكن السواد الأعظم من الطلبة الذين يضطرون إلى استعمال وسائل مواصلات وقطع مسافة قد تفوق ساعة لأجل الوصول إلى الجامعة.

- الدروس المطبوعة والتي تفرض أسلوبا واحدا للتعلم، غالبا هي غير مناسبة لجميع الطلاب، فليس جميع الطلبة عندهم القدرة الذهنية على قراءة الكتب وتلخيصها، عكس الأسلوب السمعي أو البصري الذي يبدو سلسا وسهلا في الاستيعاب.

- الأستاذ دائما هو الفاعل الرئيسي في العملية التعليمية، حيث غالبا ما يتم تقزيم حجم الطالب في عملية الأخذ والرد أثناء الدرس، واستقبال المعلومات.

- تكدس الفصول الدراسية في الجامعة وتفاوت مستويات الطلبة وقدراتهم الفردية، يجعل من العملية التعلمية أحيانا مشكلة عويصة بالنسبة لفئة مهمة من الطلبة.

التعليم عن بعد : سلبيات قليلة مقابل إيجابيات كثيرة

التعليم عن بعد كذلك خلف عددا من ردود الفعل السلبية، وظهرت بعض عيوبه التي خلفت تذمرا سواء من الطلبة أو أولياء الأمور، أهمها :

• تفاعل أقل
يمكن التعليم عن بعد أي عبر الإنترنت، الطالب من الوصول إلى الفصل الدراسي " الافتراضي " بسهولة، في وقت يناسب المتعلم، ومع ذلك، قد يشعر هذا الأخير بإحساس العزلة، بسبب الشكل الفردي لهذا النوع من التعلم، مما يجعله يشعر بالوحدة.

• مكلف ماديا
أصبح الطلبة مضطرون لتوفير أجهزة لوحية مناسبة وكذا تعبئة الأنترنيت بشكل يومي، مما أرهق كاهل بعض الأسر

• الإجهاد البصري
يقضي المتعلمون أوقات طويلة أمام جهاز الكمبيوتر مما يؤدي بهم إلى الإجهاد البصري، وفي حالات كثيرة ارتداء نظارات طبية.

• انضباط أقل
الطالب خلف جهاز الكمبيوتر أقل انضباطا والتزاما، فهو طبعا خارج دائرة نفوذ الأستاذ التي تفرض عددا من القواعد العامة.

• عدم توفر فضاء مناسب
يبقى المشكل العويص الأكبر، هو أنه ليس جميع الطلبة، لهم غرف خاصة في المنزل، بحيث يستطيعون التواصل مع الأستاذ بكل أريحية، ليس جميع الطلبة لهم فضاءات مناسبة وظروف مواتية في منازلهم.

لكن بالرغم من سلبيات التعلم عن بعد المذكورة أعلاه، أبانت التجربة عن منافع كثيرة ومزايا، أهمها:

• توفير الوقت
عوض أخذ الباص أو الحافلة وقطع مسافات طويلة ومدة زمنية أطول، بما في ذلك تعب وإجهاد أثناء التنقل، التعليم عن بعد يوفر الوقت والجهد كذلك، مما يحفز المتعلم على اكتساب أكبر قدر من المهارات والتحصيل العلمي، نظراً لتركيز العملية التعليمية فقط على الفحوى الدراسي دون التفكير في جوانب أخرى

• الاستيعاب السريع للدروس
عوض الدروس المطبوعة، والتي غالبا ما تكون عملية حفظها واستيعابها مملة، فمع التقدم المستمر في التكنولوجيا، يمكن للمتعلمين التفاعل بشكل أكثر فاعلية مع الأساتذة وكذا الطلبة الآخرين، وذلك باستخدام أدوات مثل مؤتمرات الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات المناقشة.

• أكثر سهولة
الوسائط الجديدة والأساليب التكنولوجية المتطورة (مقاطع الفيديو، والتنسيقات التفاعلية، والبودكاست، والمنتديات، والاستبيانات)، تمكن الطالب من سرعة الاستيعاب للدروس.


• الاعتماد على الذات
عملية التعلم عن بعد، مكنت الطلبة الجامعيين، من الاعتماد الكلي على النفس، وذلك من خلال اختيار المصادر التي يستوحي منها معلوماته بنفسه دون تأثير من آخرين.

• مناسب لجميع الإيقاعات
معروف أن الطلبة متفاوتون فيما بينهم فيما يخص إيقاعهم أي سرعاتهم أثناء الفصل، فبين طالب سريع وآخر بطيء، التعليم عن بعد يلغي هذه المقارنة، ويسمح لكل طالب أن يأخذ وقته وراحته في التفاعل مع الدروس.

• اختيار تدريب أحلامك
غالبًا ما يتطلب الحصول على التدريب المفضل الانتقال إلى مدينة أو بلد آخر، التدريب عبر الإنترنت جعل هذه المهمة أسهل بكثير بالنسبة للعديد من الطلاب.

مع ذلك إيجابيات التعليم عن بعد لا تنحصر فقط عند النقاط السابقة، بل أيضا أبانت تجربة التعليم عن بعد التالي:

- تحقق طفرة في رفع المستويات الثقافية، والعلمية، للغالبية العظمى من الطلبة
- لم نعد نسمع عن مشكل النقص الكبير في الهيئات التدريسية، المدربة وكذا المؤهلة في مختلف المجالات
- لم يعد الطلبة يعانون من مشكل ضعف الإمكانيات اللوجستيكية التي تعاني منها بعض الجامعات
- اختفاء الفروقات الفردية بين الطلبة والمتدربين، وذلك من خلال توفير كل المعلومات ومصادر التعلم بين أيدي الطلبة على حد سواء
- تأمين الوزارات المعنية، كل الدعم اللازم للأساتذة وكذا المؤسسات الجامعية حتى تنجح العملية وتمر في أحسن الظروف.

توفير الوقت وتكييف المهارات
بالرغم من كل الشكاوى التي تكاثرت بخصوص سلبيات التعليم عن بعد، يبقى أن حقيقة التعليم من البيت، وفرت الكثير من الوقت للأستاذ وكذا الطالب، كما قللت عبء العمل على الطرفين، التعليم عن بعد سمح للمدرسين بتكييف مهاراتهم بطرق أفضل وأكثر فائدة للطلاب، منح الفرصة لاكتشاف وسائل تعليمية جديدة أكثر تطورا، كما أنه كان لتوفير الوقت الذي كان يقضيه الطلبة والأساتذة معا، في الذهاب والإياب من وإلى المؤسسات التعليمية، وكذا الجهد النفسي والعصبي في سبيل الوصول إلى المؤسسة مرورا بساعات انتظار المواصلات والتنقل فيها، دورا إيجابيا كبيرا في تخفيف الضغط النفسي على الطرفين معا وكذا منحهم متسعا من الوقت لممارسة العملية التعلمية.
التعليم عن بعد الذي عاشه الشرق الأوسط مثل بقية العالم إبان فترة الحجر الصحي، لربما كان فترة تجريبية لما سوف يكون عليه التعليم مستقبلا، من يدري؟ الجواب في السنوات المقبلة.