في التعليم السائد في وطننا العربي، تُعلمنا المدرسة القراءة والكتابة، العلوم والآداب والفلسفة وغيرها من الدروس التي تمكننا من التحصيل على أعلى النقاط وبالتي أكبر الشهادات والمراتب العلمية، حتى نحصل من بعد على وظيفة تمكننا من الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية، بواسطة الراتب الشهري القار الذي نصرفه في الغالب كاملا، حتى قدوم الشهر الموالي والتحصل على الراتب الموالي، وهكذا تبقى صيرورة حياتنا مع الراتب الشهري (نصرفه حتى قدوم الراتب الموالي ) .
للأسف المدرسة في الشرق الأوسط وباقي الوطن العربي، لا تعلمنا كيفية تدبير ذلك الراتب، كي نزيده ونزيد من قوتنا المالية، المدرسة والمجتمع لا يعلموننا ثقافة إدارة المال، يلقوننا العديد من المصطلحات، عن شتى أنواع الذكاء (العلمي، العاطفي، الاجتماعي .... ) لكن أبدا، لا يلقنوننا مبادئ ذكاء مهم جدا للاستمرار قدما في الحياة بوضع مالي مريح جدا، ألا وهو " الذكاء المالي " .
ماذا نقصد بالذكاء المالي؟
الذكاء المالي هو كيفية إدارة مداخيلك المالية دون اكتساب الكثير منها، بمعنى آخر معرفة كيفية الإنفاق والادخار وأيضا الاستثمار بفعالية على الرغم من دخلك المتواضع، عندما يكون الذكاء المالي مرتفعًا لديك، تكون قدرتك على اتخاذ القرارات الصحيحة لإدارة أموالك أيضا مرتفعة، سوف تظهر أمامك الكثير من الخيارات حتى تكون أكثر قدرة على إدارة مالك مهما كان مبلغا متواضعا، وسوف تكون لك القدرة على الادخار والاستثمار بفعالية، القدرة على توقع المشكلات المالية وحلها بفعالية حتى قبل ظهورها، واتخاذ القرارات المالية بشكل أكثر منطقية، وتطوير حس الإدارة المالية لديك، وهي قدرات ضرورية لضمان النمو المالي الجيد عندك، في المستقبل .
أركان الذكاء المالي الثلاثة
1. الادخار
2. اقتناء الحاجيات الضرورية فقط
3. الاستثمار
أهمية الادخار
على عكس ثقافة الاستهلاك المُهلكة لجيوب الأفراد، والتي تتعارض مع الذكاء المالي، هناك ثقافة الادخار، وهي وجه من أوجه الذكاء المالي.
الادخار يعني أن يتوفر عندك المال في الأوقات الصعبة، أو كما يقول المثل " الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود " والادخار نظام مالي تأميني قوي جدا، ضد تقلبات الزمن وهو يساهم جيدا في توفير حياة كريمة فيها الكثير من الرخاء للأفراد، ادخار المال مهم جدا، حتى تتمكن من قضاء حوائجك المالية التي تطمح إليها دون الحاجة إلى أخذ قرض بنكي (شراء منزل مثلا).
الادخار ثقافة لابد أن تدخل في صميم حياتك اليومية، إذا كان لديك راتب شهري ثابت، فتوفير 10% من مجمل دخلك الشهري عملية مالية لها أهميتها الكبيرة مع مرور الوقت، حين يكبر ذلك المبلغ المدخر، ويصبح بإمكانك إعادة تشغيله في مشروع أو تملك عقار أنت بحاجة إليه، الادخار سلوك مالي عليك أن تؤمن بأهميته وفائدته على المستوى المتوسط والطويل.
الاستهلاك ... هلاك
نقيض الادخار هو الاستهلاك، ونقيض الذكاء المالي أكيد هو الغباء المالي، وأولى مظاهر الغباء المالي،
" هوس الشراء " جني الأموال لغرض صرفها في المحلات التجارية، وفي الغالب على منتجات استهلاكية غير مفيدة أو زائدة عن حاجتك، أشياء لا قيمة لها، تتخلص منها بعد مدة من الزمن، الأخطر من ذلك، وعند فئات شعبية كثيرة في مجتمعاتنا العربية، والثقافة السائدة للأسف، بمجرد أن يجد الفرد وظيفة، حتى يأخذ قرض السيارة والسكن، ويقضي مدة تتجاوز ال 10 سنوات في أداء تلك القروض، ويصبح الراتب رهينا بالقروض.
النزول المتكرر للسوق، وتكديس المشتريات، هو أهم مظاهر الغباء المالي، والتي تجعل صاحبها فقيرا لآخر يوم في حياته، الجيب في الغالب فارغ، الرصيد البنكي غالبا 0 أو قريب لل 0، حيث الالتصاق يصبح وثيقا ببطاقات الائتمان والذي قد يتحول إلى عبودية، على العكس من ذلك، الشخص الذكي ماليا، بدل إهدار الوقت في التسوق، ينفق ذات الوقت في التفكير في زيادة ماله وتطويره بإعادة استثماره.
أهم محاور الذكاء المالي
- تطوير القدرة على فهم واستيعاب الأمور المالية
- تحديد نقط القوة والضعف في وضعك المالي
- ادخار 10 بالمئة من الراتب الشهري
- القدرة على إجراء التحليلات المالية والمراجعات المحاسبية والتدقيق المالي
- القدرة على تمييز متطلبات الحياة وتحديد الأولويات
- القدرة على ضبط الرغبة الشرائية والاستهلاكية، مع حسن تحديد الحاجات والاحتياجات المالية الضرورية
- استثمار المال المتوفر، بالتفكير في مشاريع تجارية أو مشروع ربحي آخر (يمكن أن تكون صغيرة وتكبر مع الوقت)، جاذبة للمال والقدرة الجيدة على إدارة هذا المشروع
كيفية تربية العقول على مبادئ الذكاء المالي؟
- الوعي الكافي بأهمية المال، وأن المال يمكن أن ينتهي وينفذ في أية لحظة
- الوعي أنه في أي وقت قد تتعرض لموقف طارئ يستلزم حله توفرك على مبلغ مالي مهم
- التعلم المستمر وتوسيع المعرفة فيما يخص الاستراتيجيات المالية وإيجاد الطرق المالية السهلة لجميع التعاملات المالية وكذا حلول المشاكل المالية التي قد تعترضك يوما ما
- على الأسر أن تقوم بواجبها في هذا الصدد، وذلك بتلقين الأبناء منذ الصغر مبادئ الذكاء المالي، (الادخار وإنفاق المال في الضروريات) وشرح الأمر لهم، بواسطة أمثلة تناسب سنهم الصغير.
- إدماج مواد التدبير المالي الجيد والذكاء المالي في المقررات الدراسية
وفي الختم نقول، أن المال خادم جيد وسيد فاسد، وهو محرك مهم لكل نواحي الحياة، وجوده وعدمه في جيوبنا يفرق كثيرا في الكثير من المحطات والمواقف، المال مهم جدا، ونحن نتعب كثيرا لجني الكثير والكثير من المال، لكن حذاري أن تصبح عبدا للمال، لأنك حتما سوف تضيع، المال أداة عيش كريم فقط، لذا تعامل جيدا معه.
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "، إذا رغبت في الانتقال من مستوى مالي معين إلى مستوى مالي أفضل، كما قلنا سابقا تعامل جيدا مع راتبك، إصرف منه على قد حاجتك، ادخر منه 10%، لأجل المستقبل، فكر جيدا في سبل استثمار مالك مهما كان صغيرا، هناك عدة أفكار تساعدك على اكتساب الكثير من المال، وتوفر لك العيش الكريم وتجنبك حرج مد يدك للآخر لطلب المعونة.
نقطة هامة جدا : علموا أبناءكم مبادئ الذكاء المالي
نصيحة هامة جدا : اجعل المال في جيبك فقط لا في قلبك